الفقه الإسلامي - الآداب و الأخلاق و الرقائق - الآداب - ما يتعلق بالوالدين و الأرحام و عامة الناس
رقم الفتوى 10149
نص السؤال مختصر

هل من شروط التوبةِ ضمان المسروق وردّه إلى صاحبهِ؟

نص السؤال الكامل

هل من شروط التوبةِ ضمان المسروق وردّه إلى صاحبهِ؟

الجواب مختصر
الجواب الكامل

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله،  وبعد:

فإن التوبة هي الندمُ على الذنبِ، وعقدُ العزم على أن لا يعودَ إليه، والتوجه إلى الله تعالى بالمغفرة، وهي واجبة على كل أحد ارتكب ذنبًا أو معصية، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، حتى ولو من وساوس الشيطان التي تشغل عن ذكر الله تعالى، ومن كل تقصير وغفلة، وتجب على الفور.

وقد أمر الله عباده  بالتوبة في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون النور/31، وقوله تعالى: إن الله يحب التوابين، ويحب المتطهرين البقرة/222، ووردت فيه أحاديث كثيرة ذكرها النووي في "رياض الصالحين" وخصص لها المحدثون بابًا مستقلاً.

ووعد الله تعالى عباده بقبول التوبة، فضلا منه وكرمًا ورحمة، وذلك في آيات عدة، منها قوله تعالى: ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده التوبة/104، وخصص سورة لها "سورة التوبة".

ويشترط لقبول التوبة، في حق الله تعالى، ثلاثة شروط، وهي الإقلاع عن الذنب حالاً، والندم على فعله سابقًا، والعزم على عدم العودِ إليه، فإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي، فيزاد على ذلك شرط رابع، وهو رد المظالم والحقوق إلى أهلها إن عرفهم، أو إنفاقها في مصالح المسلمين إن لم يعرف أهلها، وهذا الشرط الرابع هو محل السؤال.

فالسارق اعتدى على حق غيره، وأخذ ماله، وهذا حرام، وكبيرة، ويجب التوبة من هذا الفعل، أما ضمان المسروق، وردّه إلى صاحبه، ففيه التفصيل الآتي:

1- إذا لم تكشف السرقة، ولم ترفع إلى القضاء، فيجب رد المسروق، فإن كان باقيًا بيده بعينه، فيجب ردّه لصاحبه، وإن تلف أو خرج من يده بأي سبب من الأسباب فيجب ضمانه، برد مثلِهِ إن كان مثليًا، أو برد قيمته إن كان قيميًا، ويردّ أعلى قيمة له من يوم السرقة إلى يوم الضمان، عقوبة له.

2- إذا كشفت السرقة، ورفعت إلى القضاء، ولم يثبت الحدُّ أمام القاضي لأي سبب، فيجب رد المسروق إن كان باقيًا، ويجب ضمانه إن كان تالفًا كالصورة السابقة.

3- إذا ثبتت السرقة، وحكم القاضي بالحدِّ، ولم ينفذ الحد لأي سببٍ كان، فيجب رد المسروق وضمانه، كما سبق ، وهذه الحالات الثلاث متفق عليها.

4- إذا ثبتت السرقة عند الحاكم، وحكم بالقطع،ونفذ الحد ، فاختلف الفقهاء على ثلاثة أقوال:

القول الأول: رأي الحنفية: وهو أن السارق إذا قطع فلا يضمن المال، ولا يجتمع القطع والضمان، سواء كان المسروق قائمًا أو مستهلكًا، لأن نص القرآن الكريم جاء بالقطع فقط، وروي حديث ضعيف: "إذا قُطع السارق فلا غرم عليه"، وفي رواية "إذا أقيم على السارق الحد فلا ضمان عليه"، واحتجوا بالعقل والمنطق أن المضمونات تملك عندهم من وقت الأخذ عند أداء الضمان أو اختياره، فلو ضمن السارق قيمة المسروق فكأنه ملكه من وقت أخذه، وكأنه أخذ ما يملكه، وهذا ينافي قطعه؛ لأن القطع محصور بأخذ ملك الغير، ويفرق بعض الحنفية في حالات وصور أخرى.

القول الثاني: رأي الشافعية والحنابلة: وهو وجوب رد المال المسروق وضمانه، وأن القطع والضمان يجتمعان، لأن السارق أتى بما يوجب القطع لحق الله تعالى، وأتى بما يوجب الضمان في كل سرقة لحق العباد بأخذ مالهم وإتلافه دون مسوغ، فالاعتداء على حقين، فيجب القطع لقوله تعالى: والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله المائدة/38، ويجب الضمان لقوله : "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" رواه أبو داود، والترمذي، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه، وأحمد، والحاكم وصححه، والدارمي، والبيهقي، ولا يصح الحديث السابق الذي ذكره الحنفية، لأن أحد رواته مجهول، ولذلك يجب على السارق رد العين المسروقة على مالكها إن كانت باقية، فإن كانت تالفة، فيجب رد مثلها أو قيمتها، سواء قطع أم لم يقطع، وسواء كان موسرًا أو معسرًا.

القول الثالث: رأي المالكية: وفيه تفصيل، إذا قطع السارق فعليه رد العين إن كانت موجودة، فإن لم تكن موجودة وكان السارق موسرًا فيجب الرد بمثلها أو قيمتها، وإن كان معسرًا فلا ضمان، لرواية "إذا أقيم على السارق الحد فلا ضمان عليه" وفسرها مالك بأنه لا يجوز أن يجتمع على السارق عقوبتان: القطع والضمان، ثم استثنى الموسر بأن يساره يجعل المسروق التالف كالمال القائم استحسانًا.

ونرجح للفتوى قول الشافعية والحنابلة بوجوب رد المال المسروق إن كان باقيًا، ووجوب ضمانه إن كان تالفًا، لنص الآية الكريمة في وجوب القطع حقًا لله تعالى، وتطبيقًا للأحاديث الكثيرة في حرمة مال المسلم على المسلم، ووجوب ردّه عليه، وهذا حق للعباد، وتتوقف صحة التوبة على رد المال المسروق وضمانه، وهو ما يطمئن له القلب، ويتفق مع الورع، وهو ما يقوله المالكية إلا في المعسر إذا قطع فلا يضمن عند المالكية، والله أعلم.

والله تعالى أعلم 

تاريخ النشر بالميلادي 2018/11/14

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به