العقيدة الإسلامية - العقيدة - الإيمان و التوحيد - الشبهات والاستشكالات
رقم الفتوى 11453
نص السؤال مختصر

ما الرد على شبهة الجهاد في الإسلام والسبايا وحد الردة وبيان كذب من قال بجواز قتل كل كافر ؟

نص السؤال الكامل

وهو عبارة عن تسجيل صوتي طويل ذكر به أحد الأخوة عدة شبه واجهت صديقه وارتد على إثرها، ومختصر ما ورد في التسجيل ذُكر أعلاه في نص السؤال المختصر

الجواب مختصر

بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
أما صاحبُك الذي تعلم الشريعة ثم ارتدّ عنها وصارَ يؤلّف الكتب التي تطعنُ في الإسلامِ، فواضحٌ أنّ الإيمان لم يخالط بشاشة قلبهِ أصلاً، فنحن نجزم أنه لا يوجد إنسانٌ يذوق حلاوة الإيمان ثم يتركه إلى غيره..
وأما قول صاحبك: إنّ الإسلام قد أباح دَم َكلّ كافر في أنحاء العالم، لقول النبي ‘ (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) ..
وأن الداعشي الذي يدهس النّاس في أوربا دون ذنب إنما يفعل ذلك مستدلّاً بهذا الحديث إلى آخر ما ذكرته ...
فالجواب عليه يحتاج إلى بسطٍ وتفصيل ..
والحقيقة أنّ مشكلتنا مع هذه الشبهات المثارة حول مسألة الجهادِ في الإسلام مشكلة كبيرة..
والسّبب في ذلك أنّ أعداء الإسلام بعد أن يئسوا من القضاءِ على الإسلام عسكرياً، قرّروا نقل المعركة إلى ساحاتٍ أخرى لا تقلّ شراسةً وخطورةً عن ساحاتِ الوغى والسّيوفِ والدماء.
إنها حربٌ بل حروبٌ يخوضها أعداء الإسلام ضدّه في مختلف المجالات الفكريّة والأخلاقية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية.
ومِن أهم وسائلِ تلك الحرب الضّروس تسخيرُ الآلاف المؤلفة من المفكّرين والباحثين الذين يقومون بنبشِ التّاريخ الإسلامي، باحثين فيه عن كلّ ما يمكن أن يكون عوناً لهم في تلك الحرب .. يضاف إلى ذلك عملهم الدؤوب في تحوير الحقائق وتزوير الوثائق وتشويه الأفكار..
وربما يكون هؤلاء قد وجدوا أثناء بحثهم المكثّف الخبيثِ رواياتٍ ضعيفة هنا وهناك، وآراء اجتهادية صدرت عن بعضِ الفقهاء، بالإضافة إلى أخطاء معدودة ارتكبها بعضُ قادة المسلمين عبرَ ألف سنة، فجمعوا ذلك وضخّموه وسلطوا الأضواء عليه .. ليوهموا النّاس بأنّ الإسلام دينُ القتل والسّيف والإرهاب ..
ثم لم يكفهم ذلك بل قاموا برعاية بعض الجماعات المشبوهة، ولقّنوها بوسائلهم التي لا تحصى مثلَ تلك الأفكار، وحمّلوهم رايةَ الإسلام، ووجهوهم إلى القتلِ والتّخريب، وغيرها من الأعمال المشينة التي لا تخفى على عاقل، ودعموهم وصوروهم وأنتجوا لهم الأفلام، وصرفوا عليهم المليارات ليقولوا بعد ذلك للنّاس أجمعين: هذه دولة الإسلام ...
ومما يزيدُ الطّين بلّة أنّ أكثر المسلمين اليوم يجهلون كيفيّة الوصولِ إلى المعلوماتِ الصّحيحة من مراجعِ الإسلام المعتمدة، وفي نفس الوقت كثرت الجهات التي تدّعي أنها تمثل الإسلام، وهي في الحقيقة ممّن سيحشر يوم القيامة مع خصومِ الإسلامِ لا مع مناصريه... فإلى الله المشتكى، ولا حول ولا قوة إلا به
وبالعودة إلى تلك الشّبهة السّاذجة نقول لهذا السائل: الذي يزعم أن الإسلام قد أباح دمّ كلّ كافرٍ، دون تفريق بين حربيّ وذمّي ومعاهَد وكتابيّ ومشرك .. وأنه لا خيار أمام جميع الناس إلا الإسلام أو السيف ..
نقول له: نريد منك الجواب على بعض الأسئلة:
- كيف يكون الإسلام كما ذكرت وقد نهى بنصوصِه القاطعة عن إكراه الناس على الدّين الحقّ {لا إكراه في الدين} ؟
- كيف يكون الإسلام كما ذكرت، وقد أمر بالإحسان إلى غير المسلمين من المسالمين، ورغَّب في ذلك، وجعله سبباً لنيل محبّة الله تعالى{لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}؟
- كيف يكون الإسلام كما ذكرت، وقد نهى عن إيذاء الذمّيين والمعاهَدين والمستأمَنين، ورتَّب على ذلك الوعيد الشديد. مع أنهم ليسوا مسلمين؟
(مَن ظَلم مُعاهِداً أو انتَقصَهُ أو كلَّفَهُ فوقَ طاقَتِه أو أخَذ منهُ شيئاً بِغيرِ طِيبِ نَفسِ فأنا حَجِيجُهُ يوم القيامةِ)
- كيف يكون الإسلام كما ذكرت، وقد أباح الزواج من الكتابيَّة مع بقائها على دينها وعقيدتها وشريعتها؟
- كيف يكون الإسلام ما ذكرت، وقد أقرَّ بقاء غير المسلمين على دينهم، واكتفى منهم بمبلغ سنويّ زهيدٍ من أجل توفير الأمن لهم وحمايتهم من أي اعتداء خارجي؟؟
- كيف يكون الإسلام كما ذكرت، والقرآن يأمر سيّد المرسلين ويأمرنا تبعاً له أن نجادل المخالفين وندعو إلى دينه لا بالحسنى وإنما بالتي هي أحسن: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}؟
- كيف يكون الإسلامُ كما ذكرت ولم يرفع المسلمون في مكة طيلة ثلاث عشرة سنة سيفاً ولا رمحاً، ومع ذلك دخل الكثيرون في دين الله تعالى، من كل طبقات المجتمع وصنوفه ولم يكن لدى رسول الله ثروة يغري بها هؤلاء الداخلين، وقد تحمَّل المسلمون لاسيما الفقراء والعبيد منهم من صنوف العذاب وألوان البلاء ما تعجز الجبال الرواسي عن تحمله، فما صرفهم ذلك عن دينهم وما تزعزعت عقيدتهم، بل زادهم ذلك صلابة فى الحقّ، وصمدوا صمود الأبطال مع قلتهم وفقرهم، وما سمعنا أن أحداً منهم ارتدّ سخطاً عن دينه، وإنما كانوا كالذهب الإبريز لا تزيده النار إلا صفاء ونقاء؟
- كيف يكون الإسلام كما ذكرت، وكثيرٌ من شعوب العالم في الشرق والغرب، سواء في ماليزيا أم أندونيسيا أم الصين أم الفلبين أم غيرها، اعتنقت دين الإسلام طوعاً واختياراً مع أنه لم يُسلَّ للمسلمين في هذه المناطق سيفٌ ولم ترفع فيها راية الجهاد؟
- كيف يكون الإسلام كما ذكرت، وإننا لنرى رأي العين في زماننا هذا كثيراً من الناس من مختلف الأديان والأعراق والبلدان يعتنقون الإسلام من دون أيِّ إكراه أو إجبار أو عنف، وكثير منهم من الفلاسفة والمفكرين الذين لا يخطر في بالهم إلا البحث عما يقنع عقولهم ويملأ جوانحهم بطمأنينة الإيمان؟
-كيف يكون الإسلام كما ذكرت وقد اعترف كبار مؤرخي الغرب بما يخالف قولك تماماً؟ أليس من العجيب أن يقول أعداء الإسلام عنه كلاماً أفضل مما يقوله بعض أبنائه؟
ألم يقل الفيلسوف والطبيب الشهير توماس كارليل في كتابه "الأبطال وعبادة البطولة ": " إنّ اتهامه ـ أي: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ـ بالتعويل على السّيف فى حمل الناس على الاستجابة لدعوته سخفٌ غير مفهوم؛ إذ ليس مما يجوز فى الفهم أن يشهر رجلٌ فردٌ سيفه ليقتل به النّاس، أو يستجيبوا له، فإذا آمن به من يقدرون على حربِ خصومهم، فقد آمنوا به طائعين مصدّقين، وتعرضوا للحرب من غيرهم قبل أن يقدروا عليها ..؟
ألم يقل المؤرخ الفرنسي غوستاف لوبون فى كتابه "حضارة العرب" وهو يتحدث عن سرّ انتشار الإسلام فى عهده صلى الله عليه وسلم وفى عصور الفتوحات من بعده ـ: " قد أثبت التاريخ أن الأديان لا تفرض بالقوة ، ولم ينتشر الإسلام إذاً بالسيف بل انتشر بالدعوة وحدها، وبالدعوة وحدها اعتنقته الشعوب التي قهرت العرب مؤخراً كالترك والمغول ، وبلغ القرآن من الانتشار فى الهند ـ التى لم يكن العرب فيها غير عابري سبيل ـ ما زاد عدد المسلمين إلى خمسين مليون نفس فيها.. ولم يكن الإسلام أقل انتشاراً فى الصين التى لم يفتح العرب أيّ جزء منها قط...؟
ألم يقل توماس أرنولد صاحب أعظم كتاب في توثيق تاريخ الدّعوة الإسلامية وأساليبها وحقائق انتشارها: "لم نسمع عن أية محاولة مدبَّرة لإِرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإِسلام، أو عن أي اضطهاد منظَّم قُصد منه استئصال الدين المسيحي، ولو اختار الخلفاء تنفيذ إِحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى بها فرديناند وإِيزابلا دين الإِسلام من أسبانيا، أو التي جعل بها لويس الرابع عشر المذهب البروتستنتي مذهباً يعاقب عليه متبعوه في فرنسا، أو بتلك السهولة التي ظل بها اليهود مبعدين عن إنجلترا مدة خمسين وثلاثمئة سنة.."
ومثل هذا كثير كثير كثير ..
نعم صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: (إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر وبأقوام لا خلاق لهم .. )
فماذا بقي بعد كل ما سبق؟
بقي أن ما قاله صاحبك مجرد كذبٍ على علماء الإسلام، الذين أجمعوا على أخذ الجزية من أهل الكتاب ومثلهم المجوس إن هم أبوا الدخول في دين الله تعالى..
وأما الحديث الذي ذكره صاحبك والذي فيه: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدو أن لا إله إلا الله ..
فقد سبق في فتاوى أخرى بيان أقوال العلماء فيه، وتبين ثمة أنهم متفقون على تخصيصه .. وأنه لا يفيد إجبارَ أحد على الإسلام .. اللهم إلا قول بعضهم بأنّ المراد بالناس في هذا الحديث المشركون الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وذلك
لِما قاموا به من إيذاءٍ وتنكيلٍ وعداوة وحروبٍ ضد الإسلام، مع أنهم عاينوا التنزيل وشاهدوا المعجزات وأدركوا حقيقة إعجاز القرآن الكريم ..
وما ذكره هذا الرجل كذب على الشافعي فقد نص الشافعي في كتابه الأم (4/ 182) طبعة دار المعرفة على أن المراد بالحديث كما ذكرت آنفاً مشركو العرب فقط .. وأما أهل الكتاب فيجوز إقرارهم على دينهم وتؤخذ الجزية منهم وهو محل إجماع كما نقلته
فقوله بأن الشافعي أجاز قتل كل كافر كذب محض
وأما قوله إن الإسلام قد غزا الدول الفارسية والبيزنطية والإسبانية دونما سبب ، فهذا ادعاء دونه خرط القتاد ... بل هو الكذب الصراح
ومن قال له إنه لم يكن ثمة سبب؟ هل قرأ التاريخ كله فأدرك تفاصيله ونفى ما نفاه بناء على ذلك؟
ألم يسمع بما فعله الفرس في العراق؟ ألم يسمع بما فعله كسرى لما جاءه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام؟
ألم يسمع بما فعله أنصار الدّولة الرومانية بمن أسلم من أهل الشام؟
ألم يقرأ في كتب التاريخ أن الموحدين الأريوسيين من شعب الأندلس بقيادة المطران أوباس هم الذين استغاثوا بالمسلمين ليساعدوهم ضد الملك رودريك عندما أراد غزو الأندلس؟
وأما قصة السبايا الذين سباهم المسلمون من الأندلس فقد يكون الخبر صحيحاً وقد يكون مكذوباً، فكتب التاريخ مليئة بالغث والسمين، ومع ذلك فسبي النساء واسترقاق العبيد كان أساساً من أهم أسس الحرب في ذلك الزّمان، بل كان سلاحاً من أهم الأسلحة التي ترهب الأعداء وتخيفهم..
ولا يمكن للمسلمين أن يكونوا شذوذاً عن القاعدة .. اللهم إلا إذا جاز أن يقال للمسلم اليوم لا تستعمل في حروبك القنابل والأسلحة الفتاكة لأنها تنافي القيم والأخلاق الحميدة ..
ومع ذلك فكل مطّلع على شريعة الإسلام بعين العلم والإنصاف يعلم أن الإسلام قد شرع من الأحكام والتشريعات ما ساهم في القضاء على الرقّ في العالم كلّه، ولكن بالتدريج وشيئاً فشيئاً حتى آتت تلك التشريعات أكلها وانتهى الرق من العالم تقريباً..
ألا ما أعظم الإسلام، وما أجهل الناس به، وما أخبث أعداءه، وما أعقّ أبناءه به .. والمستعان بالله ولا حول ولا قوة إلا به.
وأما قصّة حدّ المرتدّ فقد كثر الكلام فيها جدّاً، وما ينبغي أن نعلمه أن المرتدّ إذا أغلق بابه عليه، وأضمَر الكره أو الرفض لهذا الدّين في نفسه، ولم يجاهر بشيء من المعاداة لله تعالى ولشريعتهِ، فلا قائل بأنه يؤتى به ويقتل ...
وأما إن أبى السكوت، وخرج على الملأ وبدأ يصرخ وينادي بأنّه عدو لله ولشريعته وبأنّ الإسلام فيه كذا وكذا مما هو افتراءٌ وكذبٌ على دين الله تعالى وشريعته .. فهذه حرب على الأمة وعلى دين الأمة وعرض الأمة وقانون الأمة، ولا توجد أمة تحترم نفسها ثم تسكت لمن يعلن الحرب على دينها وقانونها من أبنائها أو أعدائها ...
أخيراً : أنصحك أخي السائل وقد آتاك الله تعالى من الغيرة على دينه والتقدير لشريعته، والحب لنبيّه ما لم يؤت الكثيرين ... أن تكثر من مطالعة الكتب التي تبين حقائق الإسلام ..
أكثر من قراءة كتب الشيخ محمد الغزالي ففيها الكثير من الفوائد
واقرأ كتاب الجهاد للدكتور البوطي وكتاب آثار الحرب للزحيلي وكتب الدكتور محمد عمارة التي تحمل عنوان شبهات حول الإسلام .. وأرى أنك لو بذلت جهداً كافياً في ذلك فإنك ستكون من دعاة الإسلام الموفقين بإذنه تعالى.
وفقك الله لما يحب ويرضى والحمد لله رب العالمين

الجواب الكامل
تاريخ النشر بالميلادي 2019/07/25

المفتي


الأستاذ محمّد صلاح تقوى

الأستاذ محمّد صلاح تقوى

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به