العقيدة الإسلامية - العقيدة - الإيمان و التوحيد - الشبهات والاستشكالات
رقم الفتوى 11423
نص السؤال مختصر

ماذا عن العدل في الدنيا، أشعر بغصة بالقلب عندما أرى كل ظالم قد انتصر بظلمه على المظلوم وامام أعين المجتمع وأحيانا يصوغ الظالم أدلة كاذبة ضد المظلوم والمجتمع المحيط لا يجرؤ أن ينصف المظلوم بل وأكثر من ذلك حيث يبدأ المحيطين بالظالم بالتصفيق له على إنجازاته لماذا هذا الظلم في الدنيا وربنا رب السماوات والارض هو العدل العادل ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله، والحمدلله ،والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدُ :

 أما شعورك بالألم عندما ترى الظلم ينزلُ بالمسلمين فهو أمر حسنٌ تؤجرُ عليه إن شاء الله، وهو دليلٌ على حسّك المرهف وإيمانك الراسخ، وقد وَصَف النبيّ عليه الصّلاة والسلام المؤمنين بأنهم كالجسد؛ إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى.
وأما سؤالك عن سبب الظّلم في الدّنيا مع كون الله تعالى هو العدل؟ فالجواب عليه كما يلي؟
أولاً: ليس كلّ ظالم ينتصرُ على المظلوم كما يفهم من كلامك بل كثيراً ما ينتصرُ المظلوم في النهاية، ويأخذ حقّه من ظالمه في الدّنيا، وأمثلة ذلك كثيرة، وارجع إلى التاريخ واقرأ عن معاركه وأحواله تجد فيه من الأمثلة على ذلك ما لا يحصى، بل لو قيل إنّ انتصار المظلوم في النهاية هو الأعم الأغلب لكان ذلك صواباً أو قريباً من الصواب ولكن ما يعيشه غالب المسلمين اليوم من ذلّ وهوانٍ مستمرّ يجعلك تظن أن الظالم هو الذي ينتصر دائماً.
ثانياً: أحياناً ينتصرُ الظّالم لِحِكَمٍ وسُنن ربانيّة قد يخفى أكثرُها علينا.
- فقد يكون ذلك تربيةً للمؤمن وتنبيهاً له ليعود إلى دينه ورشده..
- وقد يكون إشارةً إلى تقصيرهِ في الأخذِ بالأسبابِ التي تعينُ على النّصر، وهذه الأسباب منها ما يتعلق بالدّين كالتوبة والدعاء وإقامة شرع الله، ومنها ما هو من الأسباب الدنيوية كإعداد العدّة والعتاد والقوة اللازمة للنّصر .
ومَن درَس أحوال الناس بدقّةٍ وإنصافٍ وتجرُّدٍ، علم أنّ تسليط الله تعالى الظّالم عليهم ليس فيه ذرّة ظلمٍ، بل هو العدل الذي لا عدل فوقه.
-ثالثاً: قولك: "ربّنا هو العدل" حق لا ريب فيه، وسينتصر للمظلوم بلا أدنى شك، ولكن متى؟ هذا ما لا نعلمُه، قد يكونُ ذلك في الدّنيا، وقد يؤجّل الله الانتقام من الظّالم إلى الآخرة ليكون أكبرَ وأشدّ، إذ لا ريب أنّ عذاب الدّنيا كله لا يقارن بلحظةٍ من عذاب الله تعالى في الآخرة.
إذاً فالدّنيا دارُ ابتلاءٍ، وليست دارَ عدل، قال تعالى:

[الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا]
وأما العدل المطلق فهو في الآخرة: قال تعالى:

[ولا تحسبنّ الله غافلاً عمّا يعمل الظالمون، إنما يؤخّرهم ليوم تشخصُ فيه الأبصار]
فانتصارُ الظّالم على المظلوم مؤقّتٌ زائلٌ، وانتصارُ المؤمن على الكافرِ باقٍ دائم.
وأما قولك إنّ الظّالم قد يسخّر من يصوغ له الأدلة ومن يصفّق له ويمدحه.
فهذا الكلام صحيح، ولكن على من يخفى حال هؤلاء؟
على الله تعالى ؟
أم على الناس؟
أم على التاريخ؟
الحقيقة أن أمرهم لا يخفى على عاقل، والظالم وأعوانه سيبقون محطّ السّخرية واللعنة في الدّنيا، وإنما يمدّ الله تعالى لهم ليزدادُوا إثماً ثم يكون مآلهم في الآخرةِ –إن لم يتوبوا- إلى جهنّم وبئسِ المصيرِ .

وقد وصف الله تعالى سنته وطريقته مع هؤلاء بقوله:

[سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين]
يقول أحد العلماء تعليقاً على هذه الآية: "في هذا النصّ السامي يُبين سبحانه عاقبتهم، وهي العذاب الشديد الذي يُستدرجون إليه فيقول: (وَأملِي لَهُمْ)، أي أطيل عليهم الأمن، أي أتركهم مُلاوة من الزمن يستمتعون فيها، كما تستمتع الأنعام، وهم سادرون في طغيانهم وكفرهم، وكلما أمعنوا في لذاتهم وشهواتهم وما مكنوا منه، ازدادوا إثما، حتى إذا امتلؤوا آثاما بما كسبت أيديهم أُخذوا أخذ عزيز مقتدر، وما أفلتوا من عقاب شديد، ولذا قال تعالى مبيناً ما بيته لهم: (إِنَّ كيْدِي مَتِين)، هو التدبير للأشرار معاملة لهم بمثل تدبيرهم وشرهم، وإيذائهم لأهل الإيمان (مَتِينٌ)، أي غليظ شديد .

والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2019/07/13

المفتي


الأستاذ محمّد صلاح تقوى

الأستاذ محمّد صلاح تقوى

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به