الفقه الإسلامي - نظام العقوبات ، الجهاد ، نظام الحكم - الحدود و الجنايات - أحكام الحدود و الجنايات
رقم الفتوى 11206
نص السؤال مختصر

هل المسلم إن انتحر يُخلد في النار ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر

بسم الله والحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله، أمّا بعدُ :

إنَّ ممّا هو مقرّرٌ عند أهل السّنَّة أنّه لايُخلّد في النّار إلّا الكافر، قال تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا } الأحزاب/64، 65

أمّا المسلم فلايخلد بالنّار بذنبٍ أصابه وإن عظُم، قال تعالى :{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا } النساء/48

وفي هذه القاعدة وردت نصوصٌ كثيرةٌ سبق ذكر بعضها.

وعلى ضوء هذه النّصوص المحكَمة تُفهم النّصوص المتشابهة، فقد أمرنا الله عزّ وجلَّ أن نردَّ المتشابه إلى المحكَم، إذ قال :{ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ } آل عمران/7

وهذا ينطبق على جميع نصوص الوحي من كتابٍ وسُنَّة.

وقد بيّن ممّا ورد في عقوبة من قتل نفسه أنّه من كبائرالذّنوب وعظيم الإثم كقوله صلّى الله عليه وسلّم :{ من تردى من جبل فقتل نفسه، فهو في نار جهنم، يتردى فيه، خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه، فسمه في يده، يتحساه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يجأ بها في بطنه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا }.

وهذا نصٌّ متشابهٌ يُفسَّر بضوء القاعدة المحكَمة الّتي سبق ذكرها بالإضافة لِما ورد أنّه { لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة، فمرض، فجزع، فأخذ مشاقص له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطيا يديه، فقال له : ما صنع بك ربك ؟ فقال : غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال : ما لي أراك مغطيا يديك. قال : قيل لي : لن نصلح منك ما أفسدت. فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم وليديه فاغفر }.

قال الإمام النّووي رحمه الله في شرحه : ‏أمّا أحكام الحديث ففيه حجَّة لقاعدةٍ عظيمةٍ لأهل السُّنَّة أنَّ من قتل نفسه أو ارتكب معصيةً غيرها ومات من غير توبةٍ فليس بكافر ، ولا يقطع له بالنّار ، بل هو في حكم المشيئة . وقد تقدّم بيان القاعدة وتقريرها . وهذا الحديث شرحٌ للأحاديث الّتي قبله ، الموهم ظاهرها تخليد قاتل النّفس وغيره من أصحاب الكبائر في النّار ، وفيه إثباتُ عقوبة بعض أصحاب المعاصي ، فإنَّ هذا عوقب في يديه ففيه ردٌّ على المرجئة القائلين بأنَّ المعاصي لا تضرُّ . والله أعلم . انتهى.

وقوله { تحت المشيئة } أي إنَّهم استحقُّوا العذاب بذنبهم ؛ فإن شاء الله عزَّ وجلَّ عذّبهم إلى ماشاء تعالى ثمَّ يخرجهم، و إن شاء عفا عنهم.

والله تعالى أعلم.

الجواب الكامل
تاريخ النشر بالميلادي 2019/05/20

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به