العقيدة الإسلامية - العقيدة - الإيمان و التوحيد - الشبهات والاستشكالات
رقم الفتوى 11052
نص السؤال مختصر

هل الجنة فقط للمسلمين ؟ و هل فشل دين الإسلام في مواكبة حضارات الأديان الأخرى دليل على صحتها ؟

نص السؤال الكامل

قرأت لأحدهم يستدل أن الجنة لاتختص بالمسلمين ، بقوله { كيف يخلق الله المليارات ثم يدخل المسلمين فقط الجنة، وماسواهم حطب جهنم ؟ فهذا عبث يُنزه الله عنه } ثم أتبع فقال { ألا يُعتبر دين الله قد فشل في إعمار الأرض ؟ بالمقابل نجد أصحاب الديانات الأخرى في تطور و رخاء ؟ ألا يُعتبر استمرار نجاح تلك الأديان دليلاً على صحتها وأن الإسلام قد انتهى ؟ } فما رأيكم ؟

الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله ،والحمدلله والصلاة و السلام على رسول الله، أما بعد :

أخي الكريم تعال بنا نترك العاطفة جانباً ونناقش هذه الادّعاءات في ضوءِ الأدلّة العقلية والنقلية، فقد علّمنا دينُنا أنّه دين العلم والعقل أولاً، ثم بعدَ الإيمان والاقتناعِ العقليّ يأتي دورُ العاطفة والموعظةِ والترغيبِ والترهيب، ومن الغلط الفادح أن يبني الإنسان أهمّ المسائل المصيرية على العاطفة، ويهمل أحكامَ العقل والنصوص القطعية الواضحة.

ولنبْدأ النّظر في هذه الإشكالات واحداً واحداً. 

هل فعلاً كلّ مَن لم يكُن مسلَماً سيدخل النّار؟

وإذا كان الأمر كذلك فهل يعني هذا أنّ مشروعَ الإله قد فشل، لأنّه خلق المليارات ليكونوا حطباً لجهنّم؟

الجواب:

على السّؤال الأوّل هو النّفي، فليسَ كلّ من لم يكن مسلماً فهو في النّار، فعقيدة أهل السنة والجماعة أنّ مَن لم يكن مسلماً إمّا أن تكون قد بلغته دعوةُ الإسلام بشكلٍ صحيحٍ واضحٍ فرفضَها فهذا هو الكافر الجاحد المخلّد في النار .

وإمّا أن يكون من أهل الفترة، وهم الذين لم تبلغهم دعوة الإسلام أصلاً، أو بلغتهم بشكلٍ مشوّهٍ منفّرٍ، فهؤلاء ناجون، ولا حسابَ عليهم ولا عذابَ على الصّحيح .

إذن: أول فقرةٍ من كلام هذا المدّعي غير صحيحة بالمرة .

فلنسأل أنفسنا بعد ذلك: إذا كان هناك مليارُ إنسان قد بلغتْهم دعوة الإسلام فرفضُوا الإيمانَ بها والانصياعَ إليها ودخلوا النار.

هل هذا يعني أنّ مشروعَ الإلهِ قد فشل؟

الجواب: لا بالتأكيد 

وذلك للأسباب الآتية: 

أولاً:

من البدهيات المتفق عليها بين العقلاء أنّ كلّ دولة تضع قوانين تضبط الحياة بشؤونها المختلفة، ومَن لم يلتزم بهذه القوانين يتحمّل مسؤولية ما قدّمت يداه، وينالُ عقابه المستحقّ والسؤال هنا:

أوليس الله تعالى وهو الخالق المدبّر الحكيم العليم

- أولى بأن يشرع ما يصلح للناس من تشريعات، ويضع العقوبات المناسبة لمن يخالف تلك التشريعات؟ لماذا يحقّ ذلك للبشر ولا يحقّ لخالق البشر؟

ثانياً:

إن نجاح المشروعات التربوية والأخلاقيّة يُقاس بالكيف لا بالكمّ، ومن المعلوم أنّ مؤمناً واحداً يرى في خدمة الخلق والعنايةِ بهم عبادة، هو خير من مليونِ كافرٍ يرى أن الناس خلقوا عبيداً له مسخّرين لخدمته وعبادته.

واسأل إن شئت صاحب أي شركة أو معمل: أيّهما يفضل؟ 

أن يكون عنده ألفُ عاملٍ لا يحترمونه ولا يقيمونَ لتعاليمه وزناً ، وإنّما يتبعون أهواءهم ومصالحهم؟ أم يكون عنده مئة مخلصون متقنون متفانون في العمل والإنتاج؟؟

ثالثاً:

يجب أن نعلم أن قضيّة انقسام النّاس إلى مؤمنٍ في الجنّة وكافرٍ في النّار ليست خاصّة بالمسلمين، بل لا خلاف بين اليهود والنصارى أنّ من لم يؤمن بما يعتقدونه ويؤمنون به من عقائد فهو كافرٌ مخلّد في النّار .

فهل الاعتراض على هذه الفكرة موجّهٌ إلى الجميع أم إلى المسلمين فقط ؟؟

فإذا كان هذا من حقّ اليهود والنصارى، فمن باب أولى أن يعتقد المسلمون -الّذين لم يدخل التّحريف دينهم وقرآنهم- أنّهم أهل الحقّ وأنّ مَن أصرّ على الكفر بدينهم فهو كافرٌ سيلقى جزاءه من الله تعالى.

رابعاً:

وأمّا فيما يتعلّق بالنقطة الأخيرة وهي كون هداية الله تعالى لنا نحن المسلمين لم تجعل منّا أمّة ناجحةً ، وأنّنا لا نزال في أدنى سلّم الأمم في السّعادة والتّنمية والمحبّة والاستقرار.

فهذا الكلام هو الظّلم بعينه، لقد كانت هداية الله لنا المتمثّلة بكتاب الله وسُنَّة رسوله سبباً مباشراً لنهضةِ الأمّة وإخراجها من ظلمات الجاهليّة إلى أعلى درجات الحضارة والعلم، وقد بقيت كذلك مئات السّنين، اعترف بذلك المخالف قبل الموافق

فكيف يُقال: إنّ هداية الله لم تجعل منّا أمّة ناجحة ؟

نعم نحن منذ مئة عامٍ نتخبّط ونتراجع ونتدهور

فلْنسأل أنفسنا: ما السّبب؟

هل لِأنّنا مسلمون؟ الجواب قطعاً لا؛ لأنّنا لمّا تمسّكنا بديننا سبقْنا الجميعَ، بل إن العرب لم يُعرف لهم شأنٌ ولا ذكرٌ في التاريخ إلّا عندما طبّقوا الإسلام حقَّ التّطبيق.

فما السبب إذاً؟

الحقيقة أنَّ هناك جملةَ أسباب سبق تفصيل القول فيها في الإجابة على سؤال سابق، وممّا جاء فيه أنّ أهمّ أسباب ذلّة المسلمين وتراجعهم:

1- عدم التزام المسلمين بدينهم التزاماً صحيحاً.

2- عدم أخذ المسلمين بأسباب القوة والتّقدّم والعزّة. 

3- تآمر أعداء المسلمين عليهم .

وتتجلّى هذه الأسباب الثّلاثة معاً في أن المسلمين منذ مئة عام وهم يسعون للنهوض، ولأجلِ تحقيقِ هذا النهوض جرّبوا -أو أريدَ لهم أن يجرّبوا- كلّ المناهج الأرضيّة إلّا منهج الإسلام الذي يمنعهم الأعداء من تطبيقه لئلّا يثبت للبشريّة أنّه أصلح المناهج وأسرعها إيصالاً إلى سعادة الدّارين .

ورغم كلِّ ذلك، اسأل هذا الجاحدَ لنعمة الله -المعتقد بأنّ بلاد الغرب هي بلاد السّعادة لا شقاء فيها، وأنّ بلاد الإسلام هي بلاد البؤس لا أمل فيها- اسأله عن أعلى نِسَبِ الانتحارِ في العالم، ستفاجئك الأرقام الآتية من اليابان والسويد وفنلندا وأمثالها من الدّول التي يمطمح صاحبنا أو يحلم بأن نصير مثلها ذلك أن السّعادة ليست فقط مالاً وعقارات وسيارات كلّا

 إنّها أوّلاً وقبل كلّ شيء إيمانٌ بالله تعالى، ورضاءٌ بما قسم لعبيده من خيراتِ الدّنيا، ثمَّ تكونُ السّعادة العظمى بأن يعمل الإنسان دون مللٍ لإيصال تلك السّعادة إلى بقيّة الخلق المحرومين منها .

وأخيراً: يعلم كلّ عاقل أنّه لولا الحروب والأزمات المفتعلة في بلاد الإسلام لما رغبَ في الهجرة إلّا بلادِ الغرب مسلمٌ يعلمُ حقيقة الإسلامِ، ويعلمُ مع ذلك حقيقةَ أحوالِ النّاس في الغرب.

نسأل الله تعالى أن يفرِّج عن بلادنا وأهلنا والحمدلله أوّلاً وآخراً.

والله تعالى أعلم 

 

تاريخ النشر بالميلادي 2019/04/21

المفتي


الأستاذ محمّد صلاح تقوى

الأستاذ محمّد صلاح تقوى

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به