الفقه الإسلامي - ما يخص الفقه و أصوله - ما يخص الفقه - الحظر و الإباحة
رقم الفتوى 11006
نص السؤال مختصر

هل صحيح قد تكون غير المحجبة عند الله خير من المحجبة ؟

نص السؤال الكامل
الجواب مختصر
الجواب الكامل

بسم الله و الحمد لله و الصّلاة و السّلام على رسول الله، أمّا بعدُ :

فهذه العبارة إمّا أن تُطلق بغير قصد، كمن رأى فتاة محجّبة ترتكب الكبائر و يظنُّ النّاس أنّها صالحة، و رأى فتاة صالحةً حقيقةً لكنّها غير محجّبة، بل ملتزمة بصلاتها، وتكفل الأيتام، و تُكثر الصّدقات.

وهذا التّصوّر لابدّ من تصحيحه بخمسة أمور :

١- العلم بأنّ الذّنوب صغائر و كبائر، والصّغائر تتفاوت فيما بينها ، كذلك الكبائر، والمجاهر بالمعصية إثمه مختلف عن من ستر نفسه، و الدّاعي للمعصية ليس كمن ذنبه لم يتعدَ إلى غيره، و الذّنب المتعلّق بحقوق العباد غير المتعلّق بحقِّ الله.

٢- العلم بأنَّ النّوافل لاتُغني عن الفرائض شيئاً، و أنَّ امتثال بعض الفرائض مع كثرة النّوافل لايُسقط وجوب أداء بقيّة الفرائض، بل ترك الفرض عمداً دون عذرٍ من كبائر الذّنوب.

٣- مقارنة الأصول ببعضها البعض، لا مقارنة الأصل مع ما شذَّ عنه، فالأصل أنَّ المحجّبات ملتزمات بأمر الله، و إن أذنبت سترت نفسها و استغفرت، وأنَّ غير المحجّبة خالفت أمر الله تعالى وجاهرته بالمعصية، فلاشكَّ أنَّ المحجّبة خيرٌ منها، فقياس غير المحجّبة على المحجّبة المتفلّتة غير صحيح.

٤- على الرغم من التّفلّت الكبير الحاصل، إلّا أنَّ المحجّبات الصّالحات كُثُر بفضل الله تعالى، فتعميم التّفلّت عليهنَّ لايصحُّ بحالٍ.

٥- مكانة العبد عند الله تعالى مرهونةٌ بالتزامه لأمر ربِّه، قال تعالى : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } [سورة الجاثية:٢١]

وإمّا أن تُطلق هذه العبارة بقصد لمز المحجبات، وترويج التّفلّت باسم الحريّة الشّخصيّة، اتّباعاً للهوى، وانحلالاً من التّكاليف الشّرعيّة باختزالها بأنّها حسن معاملة الغير لا أكثر، فهذه تدعو المحجّبات لترك الحجاب، بلسانها أو بحالها، ولاشكَّ أنَّ المحجّبة المذنبة خيرٌ منها، لأنّ معصيتها لم تتعدَ لغيرها كتلك.

وربط الحجاب بالحريّة الشّخصيّة مغالطة كبيرة، إذ التّكليف الشّرعي للذّكر و للأنثى في كلِّ الأحكام، إلّا ماكان مبنياً على طبيعة الذّكر أو الأنثى فعندها ينتقل الحكم من المساواة إلى العدل، قال تعالى : { ولا يظلم ربك أحدا } [سورة الكهف:٤٩]

فالحريّة الشّخصيّة بمفهومها الإسلامي تدور في دائرة المباحات، ولاتتعدّى إلى دائرة المحرّمات، فمن ترى أن الحجاب تقييدٌ لحريّتها، كمن يسير في طريقٍ فوجد لائحةً مكتوباً عليها { انتبه، بعد أمتار حقل ألغام } فإن قال هذه اللّافتة تقيّد حريّتي فلايُختلف بأنّه قد جُنَّ، و إن وجدها قد وضعت لأجل سلامته فيفرح بها، ويحمد الله عليها

أخيراً، ينبغي علينا جميعاً أن نساعد من كانت في محيطنا غير محجّبة في التّخلّص من هذا الذّنب برفقٍ و لينٍ، وإنَّ منهنَّ من تبكي و تتضرّع إلى الله تعالى أن يُعينها على ارتداء الحجاب، لكنَّ نفسها تغلبها.

نسأل الله أن يجتبي بناتنا وأن يجعلهنَّ من الصّالحات القانتات.

والله تعالى أعلم.

تاريخ النشر بالميلادي 2019/04/10

المفتي


الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الزُحَيلي

السيرة الذاتية
المحتوى الخاص به