الجانب المظلم للقمر

صادر عن الموقع

ضاق الصدرُ ، و حان الوقتُ .

يعتذر الكاتب من البداية عن أسلوبه السّاخر ، و لكنّه التّوصيف الدّقيق للواقع .

والكاتب شاهد عيان ، مغترب ، انتقد نفسه في جملة من انتقدهم  ، و كلّ ما سيرد يُحمَل على التّغليب و إن كان اللفظ مُطلقاً ، و يزعم الكاتب أنّ غايته حسنة ، فلْيُحمل كلامه على حسن الظّنّ به ، و إن كان ظاهره مغايراً لذلك ، و الله يتولّى الباطن .

 

حدث أن شاع السّفر بكثرة للدّول الأوربيّة سنة 2015 ، حتّى صار مُيسّراً مُتاحاً لكلّ أحد ، مُكرهاً كان أو راغباً ، عالماً بوجهته أو جاهلاً ، فطناً لما ينتظره أو مستهتراً ، و يكاد لا يخلو بيتٌ في هذه البلاد من مسافر  ، حتّى سافر شديد الفقر و المريض ، بل أُسرٌ بكاملها سافرت .

و روّج للحياة داخل حمى الدول الأوربيّة وكأنّها هي ذاتها جنّة الخلد الّتي وعد الله بها عباده المتّقين .

و تأثّر الأعمّ الأغلب من النّاس بشكلٍ كبيرٍ ، و تفاوت تأثّرهم باختلاف حالهم و نواياهم ، و الحاصل أنّهم اجتمعوا جميعاً في قوافل المسافرين .

●فمنهم متضرّر بما جنت عليه الحرب الطّاحنة ، سُرق منه وطنه عنوةً و راح يبحث عن وطن ٍ ( بدل ضائع ) .

●ومنهم من تأثّر بمحيطه فسافر وليس له في السّفر حاجة ، تنازل عن عقله في اللّحظة الّتي كان بأمسِّ الحاجة له .

●ومنهم من غُرّر به ، و قد ضاق به مسكنه و رزقه من قبل ، فظنّ أنّهم سيجعلون منه عزيز مصر .

●ومنهم من غدا يبحث عن ملذّاته ،عبر تلك الحياة الّتي شاهدها في المنتجات الهوليوديّة , كأن يُحاط بالنّساء الشّقراوات ترقص من حوله ، و الموسيقى في سمعه ، والمال يتطاير من فوقه ، و الطّعام من كل نوع يملأ بصره ، و السّرير من خلفه و البحر عن يمينه و " التّل فريك " عن يساره ، و برج إيفل شاخص لأجله ، و شركات الطّيران تنتظر زيارته . 

●ومنهم من ظنّ أنّه إديسون الثّاني المغمور في بلاده , و الّذي ينتظر فرصة لينهض بالبشرية ، هو ذاته في الغالب من يردد عبارة { لوأتممت دراستي لدخلت الطب البشري ولكن لا رغبة لي فيها } ، وهو في الثاّنوية كاد الرسوب أن يُدركه فضلاً عن أن تُغمر مواهبه .

-ثمّ صُدم الجميع بالحقيقة المرّة الّتي كانت تنتظرهم في جنّة خلدهم المزعومة.

{ ما كنا عرفانين هيك الوضع } هي جملة ردّدها الأعمّ الأغلب عند كلِّ حقيقة صادمة أو موقف محرج .

و للإنصاف لابدّ من ذكر إيجابيّات بلاد الغرب كما سنُتبعها بعون الله بسلبيّاتها .

*أما عن الإيجابيات :

فمما يغبطون عليه :

1-النّظام الدّاخلي للبلاد ، بشتّى جوانبه :

فالنّظام المروري مثلاً : نجده يوفّر سهولةً في التّنقّل عجيبة ، ووسائله كثيرة ، و السّيارة ليست محصورة بطبقة معيّنة من الشّعب ، بل هي من مستلزمات الفرد ، و يمكن شراؤها براتب شهري واحد . 

 

2-نظام العمل : فلا يمكن لصاحب العمل أن يأكل حقّك ، إذ لك مكتب تفرضه الدّولة على شركات كلّ مقاطعة تراجعه فيردّ لك حقّك و إن ظلمك المكتب تجد مكتباً آخر أعلى سلطة منه تشكو إليه ظلم المكتب و صاحب العمل .

 

3-نظام التكافل : إذ الموظف مُجبر على دفع جزء مقتطع من راتبه الشّهري للتأمينات الاجتماعيّة و الصّحيّة و الضّرائب الخ ( يدفعها صاحب العمل و لكن فعلياً مقتطعة من راتب الموظف ).

 

4-النّظام التّعليمي : إمكانيّة التّعليم مُتاحة مُيسّرة , و هناك مدارس مهنيّة سوا الجامعات .

و ما تبقى ممّا نجد مثيله في بلادنا من منظّمات اجتماعيّة و خدمات و بنية تحتيّة الخ ، فحال كل ذلك يخفى الفساد فيه إن وجد ( وهو موجود في بعض المؤسّسات  في كلّ مجتمع )، فتؤدّي كلّ مؤسّسة دورها بالشّكل المطلوب ، بخلاف ما تتميّز به بلادنا من فساد يراه الأعمى قبل البصير .

* أمّا سلبيّاتهم :

مجتمع مادي ، إباحي  ، مُلحد .

انتهى .

-طبعاً هو وصف مجمل ، وإلا فتشذ بعض الاستثناءات ممّن هم لاشكّ على خير .

هذه كلمات ثلاث تنسف كلّ ما سبق قطعاً ، فلم يعد لما سبق من إيجابيّات أية قيمة مطلقاً.

ولنسرد على مكث معناها و أثرها على الفرد و الأسرة المسلمة :

* مساحة التّسامح الموجودة في مجتمعنا نجدها في الغرب غائبة تماماً ، حيث المال عصب الحياة في كل نواحي حياتهم ، وهم بحالة استغراب دائم من حال المجتمعات العربيّة من هذه النّاحيّة ، فالغرب لديهم بذخ كبير على أنفسهم لكن دون من حولهم ، يتجلّى ذلك في التّفاصيل الصّغيرة ، فالفرد معتكف على نفسه ماديّاً حتى صار ذلك عُرفاً عندهم ، يُحاسب في البيع و الشّراء على الغرام الواحد ، و بالسنت الذي هو جزء من مئة جزء من اليورو , ( وهو ما استوردته المولات لنا في بلادنا )، حتّى الطّعام و الشّراب و المواصلات , مثلاً لا تتخيّل أنّه من الممكن أن يستبقك أحدهم إلى آلة التّذاكر ليدفع عنك ثمن بطاقة القطار أو يدفع عنك ثمن طعامك إن جمعت ذمّتكما فاتورة واحدة ، أو يُقرضك مالاً أو يُعيرك سيارته ، الخ .

أنت لا تجرؤ أصلاً على طلب هذه الأمور لأنّ نتائجها من المسلّمات .

بمعنى آخر هم قوم لا يعرفون للايثار طريقاً و لامعنىً.

وفقدان التّسامح هو عاقبة فقدان المودّة و الإيثار . 

و أيّ مجتمع يفتقر لهذه الثّلاث هو مجتمع ميّت ، وصار محض مادّة ، دُمى تتحرّك على الأرض تسعى لمصالحها .

*وأما معنى مجتمع مُلحد : فذلك يسهل شرحه .

في السّجلات الحكوميّة الغالبيّة العظمى نصارى , واليهود فيهم أقلية .

والمسلمون من أبناء تلك الأرض قلّة قليلة ، و المستوطنون المسلمون تعدادهم جيد من حيث الكم لا التّأثير .

-أما النّصارى في الواقع فهم على قسمين :

 1- متعصبين لمذهبهم .

 2 -وآخرين النّصرانيّة منهم براء : وهؤلاء يرَوْن الدّين تخلّفاً ، و الإلحاد تطوّراً ، و يفتخر الملحد بإلحاده و ينظر إلى معتنقي الدّيانات نظرة دُونٍ و صغارٍ ، إذ يعتقد نفسه وعاء العلم  ووليده ، أعدادهم جيّدة ، وهم أصحاب الجهل المركّب ، ( جاهل ولا يعلم أنّه جاهل ) ، هؤلاء يعبدون العلم ، و العلم منهم براء .

{ إن هي إلّا حياتنا الدّنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين ( ٣٧ )  }           [سورة المؤمنون]

قال تعالى في أمثالهم : { أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه ( ٣ ) بلى قادرين على أن نسوي بنانه ( ٤ )} [سورة القيامة]

 

وبعضهم لايُقيم للدّين ولا للإلحاد أي وزن ، همّه الوحيد أن يُسارع في إشباع شهواته قبل الموت.

هؤلاء يعبدون شهواتهم , وهم الكثرة الغالبة .

قال تعالى : { أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا * أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضلّ سبيلا } [سورة الفرقان]

و ما السلوك إلا ثمرة الاعتقاد ، نوضحها بعد قليل بعون الله .

لكن لابدّ من وقفة مع من يظنّ أنّهم رغم إلحادهم هم مسلمون بدون إسلام ، يقصد بذلك أنّهم منظومة أخلاق تمشي على الأرض .

خانك اعتقادك يا صديقُ ، إذ تغرف بما لا تعرف ، بل القانون يحكمهم لا الأخلاق ، و الأخلاق منظومة متكاملة ، و إن كان الصّدق يشيع بينهم ولكنّهم في فقرٍ من غيره ، يكفيهم نقصاً أنّ الحياء معدوم عندهم ، باعتراف المنصف منهم .

و لْتعلم ياصديقي أنّ ما تقدّمه الدّولة من مال ، لم يكن ليُحلم به ولا ليُرى لو أن القانون لا ينصّ على ذلك .

فما يؤخذ بالقوّة لا يُعدّ من الإحسان ، إنّما هو كرهٌ لأكثرهم ، و حسن تعامل من اختلط منهم بالقادمين الجدد ، غير كافٍ للحكم عليهم بأنّهم كوكبة من الأخلاق تشعّ نوراً للبشريّة ، و إنّما يظهر الحسن من القبيح عندما تكونَ لأحدهم ندّاً له في مكانتك أو إمكانياتك و حدث أن تعارضت مصالحكما ، هنا حدّثني عن أخلاقهم إن استطعت ، أمّا حسن الخلق مع الضعيف يُحسنه كلّ أحد .

قد يقول قائل وما القانون إلّا ما أجمعوا عليه هم من قبل ، إذاً : المساعدات تُقدّم بطيب نفس .

وهو جهل محض ، مبنيّ على التّوهم بحقيقة الدّيمقراطيّة المزعومة ، و اعلم أنّ قوانينهم على ثلاثة أقسام : 1- قسم للشعب فيه تأثير كالانتخابات و ما شابه ، 2- و قسم هم أعجز من أن يُغيّروا فيه ، و هو ما يُفرض عليهم بعد الانتخابات شاء من شاء و أبى من أبى , و إن كان الظّاهر أنّه خالص لوجه الدّيمقراطية ، لكنّه في الحقيقة هو كنسبة 99% لانتخابات بعض حكام الدول الدّيمقراطيّة ، واستقرئ الرّأي العام إن شئت .

3- وقسم من القوانين يُقرّ الشّعب عليها ولكن يُحال بينها و بين العمل بها ، كتسلّم المرأة منصب رئيس الدّولة في الكثير من البلاد الأوربيّة .

{بالمُناسبة مفهوم الدّيمقراطية عندهم هو تقديم مصلحة المجتمع على مصلحة الفرد , وهو ما يقوم عليه الفقه الإسلاميّ بإجماع علماء الأمّة ، ولكنّه تأثير الإعلام وضعف المادة العلميّة عند المتلقي }.

 

و حقوق الإنسان الّتي يتشدّقون بها ، تتّضح في هذه الجزئيّة :

في إحدى الدّول الأوربيّة ، إن دخل شخصٌ ما  أراضيها بشكل غير قانوني يبحث عن حياة أفضل ، و بلده الأمّ فقير جداً و لكنّه آمن ، فإنّه يُردّ على أعقابه خاسئاً و هو حسير , إلّا أن يأتي بصفة أخرى كمستثمر ينتفعون بماله.

و من دخلها بشكل غير قانوني هارباً من بلده الأمّ الآمن لأنّه شاذٌ جنسيّاً لا يُعترف بشذوذه في وطنه ، أي مسلوب الحقوق ، فإنّه يُمنح حقّ الإقامة الدائمة .

 

 ثمّ قمّة العجب ما يظنّه من لم يعش في هذه البلاد أنّ الدّعوة للإسلام مُجرّد كتاب يوزّع في الطّرقات , و نقاش لدقائق لتقول لغير المسلم : إنّه تقرّر في العقول أنّ الموجود لا بدّ له من سبب لوجوده، و إنّ البعرة تدلّ على البعير، والأثر يدلّ على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج ألّا تدلّ على العليم الخبير ؟

فيندهش و يُسلم .

*وهو محض خيال ، و توزيع الكتب مفيد إن كانت الدّولة تُرخّص بذلك ، و لكن يغيب نتاج توزيعها ولا يُعلم في الغالب إلا يوم القيامة .

أمّا النّقاش معهم و إسلامهم في دقائق ، فذلك بعيد المنال و أنت لا تجرؤ أصلاً على أن تفاتحه في الموضوع إذ أكثر المواضيع حساسية عندهم { سواء كان من تريد سؤاله متديّناً أو ملحداً أو غير مهتمٍّ } : الدّين و المال .

وخاصّة أنّك مسلم مُحارب إعلاميّاً من قبل مجيئك .

يمكنك أن تُعطي نموذجاً عن المسلم المثالي , و لكن مسلمٌ منحلٌّ واحدٌ قادرٌ على بعثرة جهدك بالكامل , و بالأخصِ عندما يدور حوار ما بين مجموعة مسلمين أنت منهم ، و بين غير المسلمين ، هنا المعنى الحقيقي ليوم  ( تسودّ وجوه )، و يحصل ذلك كثيراً و يصير الحقّ باطلاً و الباطل حقّاً لخذلان من حولك لك . 

 

*أما معنى مجتمع إباحيّ :  فذلك ممّا يصعب شرحه .

ولكن ما المتوقّع من المُلحد ؟ من يعتقد أنّه لاحساب ، ما الذي يحمله على حسن الخلق ؟ فطرته ؟ لقد عبث بها حتّى تعطّلت تماماً ، ثمّ ما الّذي يحمله على كبت شهواته ؟ ما الّذي يمنعه من أن يُطلق عنان شهواته ؟

هو يؤمن يقيناً بالموت ، فلديه فرصة لا تُعوّض أبداً ، بضع سنوات و يعلم أنّ الموت ينتظره ، فيستجمع كلّ قواه ليُشبع كلّ غرائزه ، مهما كانت الطّريقة ، و المجتمع و القانون قدّرا هذه الحالة ، فيسّرا لهم ذلك ، بل أمّنا لهم الحماية الكاملة ، و عُدَّ ذلك من حقوقهم المشروعة .

وما أثر هذه السلبيّات على الفرد المسلم و الأسرة المسلمة ؟

أذكر من حوالي عام و نصف حضرت محاضرة لعضو في المجلس الأوربي للإفتاء و البحوث .

ذكر - دون قصد - في معرض الاستهزاء فتوى الدكتور النابلسي بتحريم الإقامة في بلاد الغرب .

فاستحضر معي هذا الموقف أثناء قراءة الإجابة :

الحقيقة أنّي لا أعلم كيف يمكنني إيصال الفكرة لهول المشهد .

التّوصيف الدّقيق للمجتمع يتجسّد في التّفاصيل .

كنت أفكر في سردها بتنسيق مملّ ، و لعلّ العشوائيّة توصل الفكرة أكثر .

على ألّا يُظن بالكاتب أنّه من المبالغين الكاذبين ، أو يُساء الظّنّ به .

 

الله عزّ وجلّ يقول في كتابه { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهنّ } [سورة النور]

فجاء النّهي باعتبار أنّ صوت الخلخال فتنة , فكيف وجهها ؟

المرأة أو الفتاة الأوربية معلوم جمالهن بالضّرورة ( الغالب منهن ).

أمّا الّلباس فهنّ بين ضيّق مُظهر لتفاصيل الجسد ، وبين إظهار قسم كبير من الجسد.

كما أن أعداد النّساء تفوق  أعداد الرّجال في الغرب بنسب كبيرة ، النّساء في كلّ مكان ، وهي نتيجة أنّهنّ خرجن للعمل تحت مسمّى المساواة ، ولنا حديث في هذا الشأن إن شاء الله .

فتخيّل نسبة النّساء بهذا الجمال بهذا الوصف هم محيطك ، سواء في العمل أو الطريق العام أو المدرسة أو المعهد أو المولات الخ .

قال صلّى الله عليه وسلّم : مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ ".

 

*علاوة على ذلك أنّ الزنى ميسّر جداً ، لا الفنادق تمنع ذلك بل و رخيصة جداً ، ولا الدّولة تمنع ذلك إلّا أن يكون في الطّريق حفاظاً على حرمة الطّريق .

بل إنّه مُتعارف بينهم أنّ الفتاة تخرج من بيت أهلها لتعيش بمفردها ، فتستأجر مع صديقها ويعيشان سنوات على هذا المنوال ، ومُتعارف عليه أي طبيعي جداً و شائع .

ثمّ إنّه في الجرائد المجانيّة المعتمدة تجد صفحة مخصصة تعرض النساء فيها أنفسهن مع تخصصها ، كأن تريد أنثى تمارس معها الشذوذ أم رجلا ؟

و ينتهي الإعلان برقم هاتفها مع التّكلفة المطلوبة بالسّاعة ، إذ الباحث هو الزبون ولابدّ من تكاليف تُدفع .

ثمّ محلّات الدّعارة مُرخّصة معتمدة لمن يرغب ، و بأسعار تُناسب الجميع ، إذ تُعدّ مهنة للتّكسّب .

☆ثمّ إنّك في المسابح أو الملاعب أو النّوادي الرّياضيّة لتجد أنّ تغيير الملابس أمام الجميع  دون أدنى حياء .

 

☆ثمّ الشّيء بالشّيء يُذكر و إن لم يكن ذا أهمية ، و لكن تعدّى الأمر لفساد الذوق  والفطرة ( استساغة القرف ، و شيوعه ) ، فمن الطّبيعي جدّاً أن تجد الفتاة الشّقراء ذات العيون الملونة الّتي تجلس بجانبك بالقطار قد أخرجت منديلها ( و نفّت أنفها ) بصوت مرتفع .

☆أو تجدها ذاتها تصطحب كلباً تنفر النّفس السّويّة من القرب منه ، فضلاً عن أن يُعانق صاحبه و يُدخله داره و يُنظف قاذوراته .

و ما ذكر ذلك إلّا تذكرة لمن يظنّ أنّ الذّوق و الأدب من منتجات دول الغرب . 

☆وقلّما تجد رجلين يمشيان مع بعضهما أو مجموعة شباب ، إذ الصفة العامة رجل  و امرأة يمشيان مع بعضهما البعض أو مجموعة مختلطة بين الذكور و الإناث .

☆ومن آداب الطريق في المدن عامّة تقبيل الرّجل المرأة ، و العكس ، و في القطارات خاصّة . 

☆أمّا الكحول فتُستعمل عندهم كالمشروبات الغازية عندنا تماماً ، فهي تُشرب مع الطّعام أو في السّهرات الخ .

وموفّرة ميسّرة في كل مكان ، و إنّك لتجدها في كل سوبرماركت صغيراً كان أو كبيراً ، و هناك نوعيّات بأسعار مخفّضة حتّى لا يُحرم منها القانع الفقير .

☆أمّا المخدّرات  ؟ فيا باغي الشّرّ أقبل ، تجدها مؤمّنة في حدائق معيّنة مع شخص معيّن بسعر معيّن , و لكنّه يعلو قليلاً سعر الكحوليات , و كلّ ذلك على علم السلطات المسؤولة و مع أنّ ذلك ممنوع لكنّهم في رقود و كأنّ بينهم معاهدة سلام .

ثمّ لشيوع الأمر نجد بعض البلدان رخّصت بيع المخدّرات بشكل مطلق و بعضها لم يطلق البيع بل رخّصت لمتجر واحد في كل مدينة ، وحصرت البيع به و بكميّات محدودة ، حالهم ينطق : تريد المُخدّر ؟ لا مانع ولكن بعلمنا من فضلك . 

وما تبقى من البلاد في طريقها لإقرار بيعه و تعاطيه .

 

و قد يقول قائل : إنّ الفساد و التّعرّي أصاب مجتمعاتنا المسلمة ، و لاضير في ذلك ! و ليكن في العلن أفضل من أن يُمارَس سرّاً .

و الإجابة على ذلك :إنّ الإباحيّة موجودة في كلّ مجتمع بنسب متفاوتة ، و لكنّها في المجتمعات الّتي تُمارَس فيها علناً صارت عندهم نمطاً عامٌاً ، وليس في فعلهم أدنى مشكلة - من وجهة نظرهم - وليست عيباً أصلاً ، ولا حراماً بلا شكّ ، فالممارسة العلنيّة جعلت منها جُزءاً من ثقافة ذاك المجتمع .

 

الآن قل لي بربك ، كيف لابنك الصغير أن يبقى مسلماً ؟

-وفي المدارس يرضع نظرية التّطور و أنّ جَّده الأكبر كان من كبار القردة ، و أنّ ذلك حقّ لاريب فيه .

و أنّه لا سلطة لوالدك عليك بعد عامك الثّامن عشر ، و أنّهم لا يمكنهم تأديبك بالضّرب و إلّا فيمكنك تقديم شكوى عليهم باتّصال هاتفي و تنتقل لرعاية الدّولة العظمى ، و أنّك عندما تبلغ الرّابعة عشرة يمكنك اختيار الدّين الّذي يُناسبك ، وأنّه لا حرج قانوناً من صحبتك لأي أنثى أو شاب ، ولا حقّ لوالديك بالتّدخل فأنت في رعاية القانون . 

ثمّ يأتيك ولدك على خجل يريد منك - غيتاراً - لأنّ آنسة الموسيقى طلبت منهم ذلك ، و المسابح الموفّرة صيفاً شتاءً، كيف لك أن تمنعه من ارتيادها ؟ و أصحابه كلّهم يخلعون ثيابهم بجانب بعضهم ، و النّساء على بعد أمتار منهم بثياب السّباحة ؟! 

قد يقول جاهل ، ولكنّهم غير مكلفين ولا حرج في ذلك ، ليست المشكلة في الفعل ذاته ، إنّما هي مشكلة تربويّة , أنت أجهل من أن تفهم أثرها .

ولاتنس أنّه لا مهرب لابنك من الحفلات الموسيقيّة و الرّقص إذ هي مسلّمات مدرسيّة ، و كيف يقتنع ابنك بأنّه على صواب و أنّهم على باطل ؟

فمحيطه بالكامل يفعل عكس مرادك سيادة الأب الفاضل ، أيعقل كلّهم على خطأ ؟

* ثم ليس عنده أيّ وازع دينيّ ولا مسبباته ، فلا هو نشأ في المساجد و لا محيطه إسلاميّ يُعينه و هو أصلاً صغير معاند يرغب كلّ ممنوع ، فإمّا أن تمنعه باسم الدّين و ينشأ على كره الدّين و التّدين ، أو لغرض تربويّ عندها سيفعل مايريد دون علمك مع كرهه الخالص لتربيتك ، و بالتّالي لحظة غيابك عنه هي لحظة كونه حراً ، و مُحال أن تلازمه طيلة يومك . و إمّا أن تدعه يستجيب للواقع ، فأن يعود لجوف أمه و تُجهضه خيراً لك من أن تُسلمه لمرادهم .

 والمسلمون من سبقونا لهذه البلاد خير مثال ، ونضرب مثلاً بالجالية التركيّة .

هاجروا إلى دول الاتّحاد الأوربي عقب الحرب العالميّة الثانية تقريباً .

وهم قوم منعزلون تماماً عن سكّان البلاد ، لهم أعمالهم و متاجرهم الخاصّة و كذلك بيوتهم و مساجدهم غالبها مُلك لا إيجار ، فهم في استغناء حقيقي عن الاختلاط مع المجتمع الأوربي  ، اللّهم إلّا المدارس فليس عندهم مدارس تستوعب كلّ أبناء جاليتهم .

ورغم كل ذلك نجدهم على أقسام :

{ والحديث عن فئة الشّباب من كان مولده في هذه البلاد و نشأ فيها ، أمّا الأباء و الأمهات فمازالوا أسراً محافظة ، لا متدينّة }.

-القسم الأكبر منحلٌّ تماماً ، ليس لهم من الإسلام إلّا مسمّاه ، و يغلب عليهم السّلوك الغربيّ .

-وقسم عليهم سمة التّديّن بالمقارنة مع القسم السّابق ، ولكنّه بطابع غربي ، أي تديّن ترضى عنه النّفس لا الرّبّ .

كما يقول المثل المشهور - لم نمت لكنّنا رأينا من مات قبلنا -. 

حتّى إنّه لمشهد طبيعي و مكرّر جدّاً أن ترى أماً تركيّة ترتدي - بانطو - طويل فضفاض , و ابنتها بجانبها دون حجاب و ترتدي الضّيق من اللّباس .

وحال الجالية التركيّة يفوق بأضعاف حال أقوى جالية عربيّة مسلمة في الاتحاد الأوربي أجمع ، إذ لهم شوكة و كيان في أي دولة يقيمون فيها ، و قوم ذو مال و تجمعهم قوميتهم ، و رغم كلّ ذلك بالمجمل سقطوا .

 

و حال الجالية العربيّة اليوم ، السّوريّة خاصّة يكاد لايخفى على أحد :

 

-أمّا الطّفل فسبق الكلام عمّا تُغذيه مدرسته من أفكار و معتقدات .

-أمّا الشّاب العازب فيشقّ عليه الزّواج لعدّة عقبات ، منها قلّة الفتيات العربيّات المسلمات بالمقارنة مع نسب الشّباب ، ثمّ غالب الفتيات تأثّرن بالمحيط الخارجي ، فيكون انتقاء الزّوجة { الصّالحة الجميلة الموافقة } من الصعوبة بمكان ، ثمّ تكاليف الزّواج مرتفعة جداً ، وما ذلك إلا لجهل الفتاة أو والديها . وممّا يزيد فتنته كون الحرام مُيسراً أكثر من المتوقّع كما سبق بيانه ، فضلاً عن توفّر المال ، ثمّ حاجته إلى تعلّم اللّغة و تضغط عليه شهوته و مُحيطه ليُصادق فتاة ابتغاء إتقان الّلغة الجديدة ، ثم تزداد الفتنة مع شعوره بفراغ عاطفي نتيجة غربته و وحدته .

و كم من شاب وقع في الفتن و اختلّ توازنه .

 

أمّا المرأة فالحمل عليها جِدُّ ثقيل .

فتنتها أن القانون ينصرها و يُعطيها أكثر من حقّها { شرعاً } ، فإن كان زوجها سيء الخلق ، زادت فتنتها ، و إن كانت هي كزوجها زادت الفتنة أكثر ، و هو ما نرى أثره اليوم من حالات طلاق بالجملة و المحاكم تعجّ بالجالية المسلمة ، المشكلة ليست بدمار الأسرة فحسب ، بل ما بعد الطلاق ، إذ إن الطّلاق مؤشر لدمار قادم و شامل ، و هو بداية طريق انحلال أحد الزوجين { يُقصد الطّرف الظّالم } أو كلاهما .

-ثمّ أيّ ثبات أمام هذه الفتن ؟ كيف للمرأة أن تثبت على لباسها الفضفاض الّذي لايصف و لايشفّ ، صيفاً و شتاءً ، و النّساء شبه عاريات من حولها ، و بنسبة عالية من الجمال ! فيدخل وسواس النّفس من بابه المعتاد ، أنّه لاحرج من تقصير البانطو قليلاً مع بنطال تحته ، ثم يُستبدل به الجاكيت الطويل ، ثمّ يقصّر الجاكيت و يواكب الموضة ، ثمّ يُخلع الجاكيت في المناطق المغلقة كالصّالات و المتاجر الخ ليتناسب اللّباس مع درجة حرارة الصّالة ، ثمّ بلوزة عريضة و بنطال عريض ، ثمّ يضيق شيئاً فشيئاً ، طبعاً المكياج يتدرّج أيضاً مع كلّ ما سبق ، وهذا حال الكثير جداً .

طبعاً بناتهن العازبات من باب أولى إذ تلك في مرحلة المراهقة يحلّ لها ما تشاء – من وجهة نظر النفس لا الشرع - فإن لم ترتدي هكذا الآن فمتى ؟ و الأب يمشي مع ابنته بملابس تصف ما لاينبغي ، وهو إمّا مكسور الخاطر لايمكنه تغيير أي أمر بحكم القانون أو مُقرّ لتلك المأساة .

-ومن ناحية أخرى مراراً ما تُصادف مخلوقاً لا تعلم لأيّ النّوعين ينتمي ، أذكراً هو أم أنثى ؟ لا هو بجسد امرأة ، و لا ملامح رجل ، و اللّباس يحتمل الوجهين .

و ما ذلك إلّا لشيوع الشّذوذ ، حتّى شرّعت لهم بعض الدول قوانين خاصة بهم ، حتى صار الشاذ نوعاً ثالثاً ، { ذكر - أنثى - شاذ } و صار شذوذهم بحماية قوى أمن الدولة ، لايحقّ لأحد الإنكار عليهم ، بل من يزعجهم يُجرّم . 

ومنهم من يقتصر على التّشبه ، كتشبّه النّساء بالرّجال و ذلك كثير جداً ، إذ الفتاة جرّبت كل ما تهواه و بقي لها الشّعور بما يشعر به الرّجل و التشبه به ، فتراها تُقصّر شعرها كالرّجال تماماً ، أو يُحلق من الجوانب و يبقى بطوله من الأعلى .. الخ .

ثمّ إنّ مظاهر التفلّت تراها واضحة عند عدد جيد منهم ، إذ يُجعل من الجسد لوحة رسم يعجّ بالوشوم ، ذكراً كان أو أنثى ، و تزيد النّساء الخرز في الأذن و الأنف و اللسان و الشفتين و الصرّة، والرجال بوضع حلق النساء في الآذان . 

 

و نحن نعلم يقيناً أثر فترة المراهقة في حُب تجربة كلّ شيء و إنّنا نُعاني من قِبَل أكثر الفتيات المسلمات ، في البلاد المسلمة ، ممّا يتفنّنّ به في هذا العمر و السّعي لضبط سلوكهم ، فكيف لو رأت الشّذوذ و أثره ؟ ما أثر ذلك على سلوكها ؟ من يمنعها ؟

قد يقول متعصّب جاهلي ، أقتلها !.

جيّد يا عزيزي بذلك تكون قد خسرت الدنيا و الآخرة .

في كل الفتن نجد أن الأسرة تبني - إن كانت أسرة صالحة في أصلها - والمدرسة و المجتمع يُدمّر, بل و يبني على أنقاضك ، فكيف إن كانت الزّوجة أصلاً لاتصلح أن تكون أمّاً ؟ { وهو حال الكثرة الغالبة } زاد البلاء ياصديق ، بل انتهى الأمر .

-أمّا الرجل فإن سقط في فتنة غض البصر فحسب { حسب الوصف السّابق للمجتمع } فإنه يُعاقب بدايةً بأن يُحرم اللّذة في علاقته الخاصّة مع زوجه ، و يتفاقم الأمر و ينقلب الأمر لجحيم منزلي ، و بالأخصّ عند الاختلاط  سواء الرّجل مع زميلة دراسيّة أو زميلة عمل الخ ، فغيرة المرأة أكبر من أن تغفر له .

-أمّا الفتاة العزباء الّتي قدِمت تبتغي حال القادمين أو تبتغي العلم في الجامعات الأوربيّة ، وتعيش بمفردها ، يقتلني العجب من والديها اللّذين سمحا لها !

وإنّي في عجزٍ عن وصف حالتها . ويزيد الأمر سوءاً الحرمان من الحدّ الأدنى لما يحتاجه المسلم ليستعين به على الثبات .

فأنت لاتجد أيّ مرجعيّة دينيّة فقهيّة فضلاً عن أن تجد اختصاصات أخرى ، و لاعبرة لحالات نادرة إذ القاعدة الفقهيّة تقول { العبرة للغالب } ، فمن يؤم المصلّين في المساجد هم من المصلين أنفسهم ، كذلك من يخطب الجمعة ، فإنك لاتجد مختصاً عالماً يقضي لك حاجتك ، و يُفتي في العادة من يغلب عليه حال التّدين أو تخرج من كلية الشّريعة أو من حملة الماجستير ، و ليس كلّ أولئك أهلاً للفتيا ولا يُعتمد قولهم إلّا الفقيه حصراً ، لذلك نرى مخالفات بالجملة يقع بها الأغلب الأعمّ من النّاس - بما فيهم الكاتب - لتعدّي غير المختصّ على الإفتاء .

ثمّ إنّك لتجد عدداً جيداً من المتديّنين مُحرجين بدينهم ، يبحثون عن منفذ للانحلال من الأحكام الشّرعية .

وهذا واضح جداً ، حتى إنّ المجلس الأوربي رضخ للواقع و صار مبنى فتواه في الكثير من أحيانه تتبع الرّخص و الأقوال الضّعيفة و يُفتي بها ليرفع الحرج عن بعض المسلمين ( وذلك جائز وفق شروط  ذكرها الفقهاء في كتبهم ).

و تجد المسلم يبحث عن فتوى ليسلك مسلكه بتأطير شرعي ، فإن وجد مبتغاه محكوم عليه بالتّحريم بقي يبحث حتّى يجد مراده ، و معلوم لدى الجميع أنّ أيّ فتوى تخطر في بالك تريدها سواء بالتّحريم أو بالجواز موجودة ، ولكن ؟ 

أجمع العقلاء أنه ليس كلّ قول مُعتبر ، فإن كنت تعلم  : بإمكانك تمييز الأقوال المقبولة من المرفوضة ، و إن كنت لاتعلم { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } [سورة النحل]

المسلم مُستضعف في هذه البلاد ، حتّى إنّك لتجد الأكثر يخضع للمُصافحة بين رجل و امرأة لاتحلّ له ، حتّى تفشّى الأمر عند النساء ، فتجد الزّوج و زوجه يقفان بجانب بعضهما و الزّوج سلّم على أجنبية و زوجه سلّمت على أجنبي { و الأجنبي شرعاً من يحل له الزّواج من المرأة }.

وكل ذلك تحت مسمّى الضّرورة و الحاجة ولا ضرورة إطلاقاً لمن يؤمن بقوله تعالى : { ومن يتق الله يجعل له مخرجا ( ٢ ) ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا } [سورة الطلاق]

و الأسئلة المطروحة تنبيك عن حالهم ، منها :

▪ ماحكم التهرّب من الضّرائب ؟

▪ ماحكم جمع الصّلوات بسبب دوام المدرسة أو الجامعة ؟

▪ ماحكم جمع الصّلوات و عدم حضور صلاة الجمعة بسبب العمل ؟

▪ ماحكم أداء الصلاة قبل وقتها لأنّي أكون في الطريق ؟

▪ ماحكم أكل المنتجات التي فيها نسب ضئيلة من الكحول ومشتقات لحم الخنزير ؟

▪ ماحكم مصافحة الرجل للمرأة إذ عدم المصافحة عندهم قلّة احترام ؟

▪ ماحكم العمل بمطعم يقدم الخمر و لحم الخنزير ؟

▪ ما حكم شراء بيت بقرض ربوي ؟

▪ ماحكم العادة السرية في ظل الفتن و صعوبة الزّواج ؟

▪ ماحكم المسح على الجوارب الرقيقة لصعوبة الوضوء خارج البيت ؟

▪ ماحكم الإفطار على توقيت مكة لطول النهار في هذه البلاد ؟

▪ ماحكم الأكل من ذبائحهم ؟

▪ ماحكم طلاق القاضي غير المسلم ؟ و ماحكم أخذ ما تحكمه الدّولة للمرأة المطلّقة من زوجها ؟

و الأمثلة تطول .

 

ثمّ إنّك لاتجد مجالس علم ولا صحبة صالحة - إلّا ما ندر - فكيف تنجو ياصديق ؟

ثم تُعارك الحياة حتّى يتعلّم ابنك اللغة العربيّة ، حتّى يقرأ القرآن كحد أدنى .

أمّا من لايبحث عن دينه أصلاً ، فنراه يتفنّن في خيانة الدولة الّتي أقام فيها ، يأخذ مالهم ثم هو يعمل بالأسود - أي دون علم الدولة - وإن علمت الدولة أوقفت له المساعدات الماليّة ، و يأتي آخر لتحصيل الجنسيّة فيُسجل حضور ثم يعود لبلده الأمّ بحكم أنّه تاجر , و بعد سنوات يعود ليأخد الجنسية { وذلك في السويد خاصة } ، و من يتلاعب بعنوان سكنه ليخدع الدولة و ينال مساعدة ماليّة أكبر ، الخ وكلّ ذلك مُحرّم شرعاً .

أمّا العنصريّة فتلك مسألة تختلف من مدينة لأخرى ومن شخص لآخر ، و يمكنك تفاديها و قد يضيق بك الحال فيبتليك الله بها .

و أمّا المساعدات الماليّة الّتي تقدمها للقادمين :

فهو استثمار يعود عليهم بكل خير ، بمعنى أوضح : 

الدّول الغربيّة تُعاني من مشكلة اجتماعيّة كبيرة جداً ، هي خلو المجتمع من الأسرة بشكل تدريجي و الأسرة هي عصب المجتمع ، و لذلك كان التّفكك الأسريّ أكبر خطر على المجتمع و سبب دماره ، وما ذلك إلا لعدم حاجة الفرد لتكوين أسرة ، إذ يمكنه قضاء شهوته دون سلوك هذا المسلك ، و لأن ذلك يُشكل عبئاً و مسؤوليات ليس مضطراً لتحمّلها ، و تُحاول الدّول علاج هذه المشكلة وتقديم الحلول ، حتّى تنهض بشعبها و تستمرّ سلسلة نجاحاتها ، و عجزوا عن إصلاح مجتمعهم دون اللّجوء لحلول خارجيّة ، و بعد الحرب العالميّة الثانية استقطبو اليد العاملة لتبني لهم بلدهم ، ثمّ في عهدهم الأخير خصّصوا مساعدة ماليّة لكلّ طفل منذ ولادته إلى سنّ الثامنة عشر { حسب ما أذكر } ، للتّشجيع على التّناسل و هو العنصر الرئيس لاستمرار المجتمع على ماهو عليه ، و رغم ذلك معدّل الإنجاب قليل جداً ، ولم يُحصّلوا نتائج تُذكر ، ثم بحثوا عن حلول إضافيّة ، فشرّعوا قوانين لاستقطاب أسر بكاملها تحت مسمّيات إنسانيّة مختلفة ، فالمبالغ المقدّمة اليوم للأسر القادمة هي ثمن استمرار هذه المجتمعات ، بمعنى آخر أنت و أسرتك اليوم من المُدللين و غداً من العاملين في هذه البلد و في ازدهارها من المشاركين.

والمساعدات المقدّمة ، ليست دائمة إنّما هي مؤقتة ، طالت المدّة أم قصرت فينبغي عليك في النهاية العمل و تتوقف المساعدات مباشرة .

ونختم بهذه السلبيّة : المرأة يُضيّق عليها نفسيّاً حتى تعمل , بأن تُسمّم بفكرة أنّ المساواة تقتضي أن تعمل كزوجها ، و تستقل ماديّاً ،وتكون ندّاً لزوجها ، أو بسوء خُلق الزّوج حين يحرمها الاستقرار النّفسي فتخشى أن يطلّقها و تعود للمساعدات و تضطر للعمل ، فتستبق المشهد .

والأطفال في هذه البلاد خاصّة بحاجة لرعاية و اهتمام يفوق ما كانت تبذله في بلادها أضعافاً مضاعفة ، و إلّا ضاع الأولاد و تدمّرت الأسرة قطعاً ولو بعد حين .

و إن عملت المرأة - كحال عدد جيّد من النّساء - تجد الأطفال صباحاً في المدارس ، ثمّ بعد ذلك هم في دار الرّعاية بضع ساعات ، ثمّ يخرج أحد الوالدين من عمله السّاعة الرّابعة أو الخامسة ليأتي بهم , ثم يأكلون و يكتبون واجباتهم المدرسية ثم هم نيام !

أين التربية ؟ هم إذن من قاموا بتربيتهم ، ربّوهم كما تربّوا هم ، في أخطر عمر و هو دون العشر سنوات .

كلّ ما سبق إنّما هو بيانٌ لمن يتمنى الإقامة في هذه البلاد .

و ردّة فعل - و إن كانت متأخّرة - على من روّج و غرّر للسّفر لهذه البلاد .

و ليحمد الله من منّ الله عليه بالسُكنى  في الشام .

ولترفض الفتاة الزّواج على سفر لبلاد الغرب ، تبتغي بذلك أن تحفظ  نفسها و دينها .

و لعل الكلام يصل  لأصحاب القرار أو من لهم تأثير عليهم ، وهم من بإمكانهم العودة للشّام أو أي بلد مسلم  وما أكثر هؤلاء ، فكُثُر من قدموا هذه البلاد من دول الخليج دون أي سبب ، و أكثر منهم التُجار الّذين كانوا في الشّام { و لا يُقصد بالشام دمشق فحسب } .

و إنّي لأعلم يقيناً أنّ المستوى المعيشي لهذه الدّول يفوق ما توفّره بلداننا الأمّ 

 أو البلدان  المجاورة ، و لكن أشهد الله  أنّ فقر دمشق أفضل حالاً من رفاهية باريس .

رغم كلّ الفساد الّذي طال الشّام في الآونة الأخيرة و لكنّك في مدينتك قادر على أن تكون مسلماً بحقّ .

أمّا في غربتك فتُقاتل  كيلا تُطمس هويتك و كم نُغلب ياصديق .

قال عزّ وجلّ { إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء: 97]

 و قال تعالى : { ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما} [سورة النساء: 100]

و الحمدلله رب العالمين .

والله أعلم .

تعليق من أخت فاضلة مقيمة في دول الغرب ، و الإجابة عليها:

التعليق:

من حيث الإيجابيّات :الإيجابيّة الأهمّ وجدتها في احترام الإنسان الّذي افتقدناه للأسف في بلادنا .

حين ندخل أيّة جهة في الدّولة فنعامل بمنتهى الاحترام وأعتقد أنّ الجانب الإنسانيّ من أهمّ الجوانب الّتي أبهرتنا .

الإجابة :

وهذا صحيح ، و هي غايتهم الأولى لذلك سعوا في تشريع قوانين تعطيهم كامل حقوقهم كشعب ، و تحميهم من الفقر و الذُّلّ ، فكان من دخل فيهم يُلحق بهم ، ومرجع التّعامل الحسن يعود لأمرين اثنين ، إمّا موافقة الموظف باطناً للقانون و إمّا مضطرّاً لئلّا يُخالف القانون فيُعاقب ، و كلاهما واضح .

التعليق: 

عند الحديث عن اللّباس في الغرب للأسف ماتلبسه بعض بنات المسلمين اليوم في بلادنا وفي بلاد الغرب لايمتّ للإسلام بصلة .

 أذكر عندما كنت في كورس اللغة لم أجد إلا بناتنا من كنّ يبالغن في اللّباس الضيّق والمكياج وغطاء رأس لافت للنظر إلى أبعد الحدود .وهذا ليس نتيجة وجودهم هنا ،  بل هكذا جئن من سوريا للأسف . فضلاً عن التّباهي بالتدخين والأركيلة .

الإجابة :

هذا صحيح ، و إنّما المقال بالدّرجة الأولى سببه هذه الظّاهرة وموجّه لولاة الأمر ، للمُعالجة قدر المستطاع ، فإن لم نستطع حماية الطّفل من المرض فلا نمنعه من العلاج ، و إن كان الدّواء لاينتزع المرض ، فلابدّ أنّه يُخفّف ضرره ، و ارتكاب أخفّ الضّررين واجبٌ .

لذلك قدوم غير الملتزم لهذه البلاد لايزيده إلّا بُعداً .

التعليق :

ماوجدته هنا وربّما لايكون عاماً . كنت أوّل امرأة تدخل إلى منطقتي  . رفضت المصافحة فاحترم الجميع رغبتي وشرحنا  لهم السبب ، لكنّ من جاء بعدي من النّساء كنّ يصافحن مرة و يمتنعن تارة  وبعضهنّ بحثن عن مبرّرٍ لفعل المصافحة ، وأنكرن عليّ إصراري على عدم المصافحة .

 فانتقد من حولنا  الإسلام .

 فكنّا نحن من أساء للدّين .

 والشّيء بالشّيء يذكر: في مدرسة اللّغة كان القليل من يحافظ على الصلاة في وقتهاوكنّا نصلي في الاستراحة في الممرّات ، فإذا إدارة المدرسة تجهّز لنا مكاناّ لائقاً للصّلاة مع موضّأ . وصار جلّ اهتمام آنستي في دورة اللّغة الحفاظ على سجادتي ووقت صلاتي  .

ماأردت قوله : إن الحريّة الدينيّة متوفّرة لمن أراد .ولكنّ العيب فينا .

ولربما استجابت الإدارة في المدارس الابتدائية  لطلب الأهالي ورغبتهم بعدم إطعام أولادهم لحم الخنزير والسّباحة إلّا بلباس يتناسب مع الشّريعة . ولكن سوء فهم بعضنا للإسلام وظنّهم أنّهم بالاندماج يحقّقون مكاسب أكبر دفعهم لمسايرة الواقع .

وقد اعترفوا بأعيادنا وسمحوا لنا بالعطلة . بالطّبع أنا لا أدافع عن الغرب وسلبياته ولكنّني أنتقد غالبيتنا على التّقصير.

نقطة رابعة :

عدد لا بأس به ممّن لايملك تربية إسلاميّة  كافية لكنّهم سارعوا إلى تسجيل أولادهم في المساجد . وآخرون يرفضون ذلك وبشدّة متعلّلين بأسباب غير منطقيّة .

في منطقتي (ولا أعمم ) عدد لابأس به من الشّباب ملتزم بالصّلاة والصّيام والجمعة بعيد بفضل الله عن المسكرات ومصاحبة النّساء وهذه نقطة إيجابيّة يجب نشرها للاقتداء .

الإجابة :

وهذا صحيح ، و هو ممّا يُغبطون عليه من جانب أنّ المرء يمكنه ممارسة دينه بحريّة لاتوجد في بلادنا .

لكن  وجهه المظلم  مبنيّ على حريّة السّلوك ، فالصّلاة في الطّرقات ثمنها التّعري و الشّذوذ الخ ممّا سبق ذكره ، 

و يقول السّادة الفقهاء دفع الضرر مقدّم على جلب المصلحة .

أمّا تقبّلهم الاعتذار عن المصافحة ، فمرجع ردة الفعل مراعاة القانون كما سبق ، أمّا حقيقة أمرهم فغالبهم يكبت انزعاجه بطريقة واضحة للعيان ، و حُقّ له ذلك . إذ تربّى على أنّ المصافحة تُعبّر عن احترام الطّرف المقابل لك و العكس بالعكس ، فتقبّله لمنطلقك الإسلاميّ حمّال أوجه : منهم من يتقبّل ويحترم التزامك بدينك  ، و منهم من يعدّ ذلك تشدّداً وقلّة احترام مهما كان المنطلق .

وأنا شخصيّاً تعرّضت للإهانة (منذ ما يقارب عامين ) من رجل لاعتذاري عن مصافحة امرأة ، و كان ذكيّاً إذ تفوّه بكلامٍ لايِعاقب القانون عليه .

 

أمّا انتقاد حضرتك أغلبنا على التّقصير ، فقد كان موضوع خطبة الجمعة اليوم ، إذ تكلّم الخطيب { المقيم في هذه البلاد منذ أربعين عاماً ، وهو أستاذ جامعيّ في هذه الدّولة } عن أنّ الإسلام يُحارَب من الداخل و الخارج .

من الخارج : الدّول الأوربيّة تعلم حقيقة أنّ العصر عصر الإسلام رغم كلّ ما يُحارَب به المسلمون في  بقاع الأرض  من قتل و تشويه إعلامياًّ و محاربته قانونياً الخ .

فأجمعوا أمرهم على التّضييق على الإسلام و المسلمين و ذلك واضح في ما يُشرّعونه من قوانين ، كمنع النّقاب ، و منع الحجاب في المدارس الابتدائيّة ، مع غرامات مالية لكلّ من يُخالف ، حتّى إنّهم أغلقوا عدّة مساجد تحت مسمّى التّشدد ، { و فُتحت رغماً عنهم لأسباب سياسيّة }. 

و من الدّاخل : كالمسلم الّذي يطعن العرب و المسلمين في كلّ محفل ، في وجوههم  و من وراء ظهورهم ، لايرَى من الإسلام و المسلمين إلّا تخلّفاً في زعمه ، و يحبّ الغرب حبّاً جمّاً ، فيلقى العناية والاهتمام من قبل الغرب و يُكافئ ، 

وضرب الخطيب مثلاً : إنّ شخصاً تنطبق عليه هذه المواصفات ترقّى لأستاذ جامعيّ لتقارير كتبها ، انتقد فيها أبناء جلدته ، ، ثم كشفت إحدى الصّحف أنّ أحد السّياسيين كان وراء دعمه له { و هو الآن رئيس الدولة }.

فهي حريّة دينيّة مزعومة لكلّ الأطياف و خصّوا المسلمين بالتّضيّيق .

 

أما عن وجود شاب صالح في بلاد الغرب ، فذلك موجود بفضل الله ، ولكنّهم نُدرة ، و أمّا اجتماعهم و إقامتهم لفعاليّات دينيّة تعليميّة و ثقافيّة و تربويّة الخ . .

فذلك موجود في المدن في بعض الدّول ، وهم قليل و إن وُجدوا ليس لهم سلطان إلّا ما ندر ، و لعلّ أقواهم على أرض الواقع الجالية المسلمة الإيطاليّة ، فقد رأيت منهم ما لم أره ولم أسمعه في أية ّدولة أوربيّة أخرى ، و بالرّغم من ذلك كان لولادة أبنائهم في هذه البلاد أثر سلبيّ .  شاء من شاء و أبى من أبى { وهو حال كل من نشأ أو ولد أو طال مكثه في هذه البلاد }.

 

التعليق :

عدد لا بأس به ممّن لايملك تربية إسلاميّة  كافية لكنّهم سارعوا إلى تسجيل أولادهم في المساجد . وآخرون يرفضون ذلك وبشدّة متعلّلين بأسباب غير منطقيّة .

في منطقتي (ولا أعمم ) عدد لابأس به من الشّباب ملتزم بالصّلاة والصّيام والجمعة بعيد بفضل الله عن المسكرات ومصاحبة النّساء وهذه نقطة إيجابيّة يجب نشرها للاقتداء .

أخيراً .

زواج الشّباب هنا يتعثّر بسبب التّربية الخاطئة  فبعض الآباء يتاجر بابنته يريد ثمن ما أنفقه عليها حتّى وصلت إلى هنا .

بينما أعرف الكثيرات من بناتنا في بلادنا لايجدن زوجاً  . فإن تهيّأ لهنّ زوج صالح يأتي بهنّ إلى هنا  .مالمانع !

أليس أفضل من العنوسة ؟

وبعض النساء طلبن الطلاق لأنّ الحياة الزوجيّة لم تعد تطاق فالزوج لا يخشى الله فيهنّ ، وبعضهن تمردن بلا وجه حقّ والكثيرات لازلن يعانين ويصبرن أنفسهن حفاظاً على أولادهنّ . رغم معاملة الزوج السيئة جداً .

ختاماً : أنا أؤيّدك في كلّ ماجاء في المقال . ولكنّ هذه إضافات عايشتها بنفسي .

الإجابة :

كلامك صحيح إن كانت هي على قدر عالٍ من الصّلاح و الشّاب كذلك ، ولكن من يضمن أولادهم ؟ أحفادهم ؟ أحفاد أحفادهم ؟ و إنّي شاهدت من لايتقن العربيّة ثمّ يقول لك أنا مسلم ، جدّي كان عربيّاً ، هنا الأب المتّزن عقليّاً يُجاهد ليتعلّم ولده فقط العربيّة حتّى يستطيعّ قراءة القرآن لا أكثر .

نعم إنّ المشاكل الأسريّة الّتي تفاقمت في هذه البلاد ، بدايتها كانت في بلاده لا في هذه البلاد  ، ولكنّ سوء خلق الزّوج أو الزّوجة جعل من تغيّر البلاد والقانون سلاحاً يعبث به بشريك حياته .

{ ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا  } [سورة النساء]

                                               و الحمدلله رب العالمين

                                                         والله أعلم

23/1/2019

تحميل المقال